ismagi
formations

أسباب إعطاء أهمية كبيرة لقطاع صناعة الطيران بالمغرب aéronautique

الاستاذ

مشرف منتدى tawjihnet.net
طاقم الإدارة
أسباب إعطاء أهمية كبيرة لقطاع صناعة الطيران بالمغرب aéronautique
عمر التجاني * Prof FP Faculté Polydisciplinaire larache
aeronautique.jpg
وضع المغرب قطاع صناعة الطيران من بين المهن العالمية الخمس في الخطة الوطنية للإقلاع الاقتصادي (2009-2015) ومخطط التسريع الصناعي (2014-2020)، وتوليه الدولة أهمية كبرى. كما يُعول عليه، إلى جانب صناعة السيارات، للرفع من مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام من 14٪ حاليا إلى 23٪.
لماذا إذن هذا القطاع مهم جدا؟ إن تداعيات تبني المغرب لصناعة الطيران تتجاوز البعد الاقتصادي إلى تداعيات إيجابية (Externalités positives) على المستوى الاستراتيجي والبشري وحتى الرمزي، وهنا عشرة أسباب لمواصلة الرهان على قطاع الطيران من أجل تنمية اقتصادية للمملكة.على المستوى الاستراتيجي
الطيران صناعة قائمة على التكنولوجيا، وأحد روافد اقتصاد المعرفة، والشركات متعددة الجنسيات التي تستقر في المغرب تمنح البلاد كفاءات في أحد المهن العالمية. ولهذا فالمغرب يجهز مناطق صناعية مخصصة لاستقبال الشركات العاملة في هذا القطاع تدعى "منصات صناعية متكاملة" (Plateformes Industrielles Intégrées) تأوي معظم شركات الطيران، فتجد كل شركة نفسها على مقربة من ممونيها وعملائها، بالإضافة إلى كل ما تحتاجه من خدمات بنكية ولوجستية وقانونية وخدمات الضمان الاجتماعي.
وتعتبر منطقة "قطب الطيران" (Aéropole)بالنواصر أهم منطقة صناعية في هذا المجال بالمغرب، لضمها شركات عالمية كبرى، كبومبارديي، سافران، بوينغ، إرسيل وأوادس (Bombardier, Safran, Boeing, Aircelle, EADS)، إضافة إلى مناطق أخرى بطنجة والرباط .
إلا أن استقبال الشركات العالمية واحتضانها ليس كافيا، لأن تقلبات الاقتصاد العالمي قد تجبرها على تغيير وجهتها إلى بلدان أقل تكلفة. وهكذا، بالتوازي مع تشجيع الشركات متعددة الجنسيات لاحتلال المنصات الصناعية، يحتاج المغرب إلى تطوير البنية التحتية في التكوين والإدارة والتكنولوجيا ليصبح على المدى المتوسط قادرا على الانتاج ومستقلا عن إرادة الشركات العالمية. هذا التطوير في أفق الاستغناء هو ما يصطلح عليه بالقدرة الاستيعابية (La Capacité d'absorption ; Tijani, 2011).
قطاع الطيران كذلك له قابلية كبرى للنمو والتطور، فهو ينمو من حيث عدد الشركات بالمغرب، والتي بلغت 120 شركة متخصصة في تصميم وإنتاج وتركيب الهياكل والقطع الآلية والنظم المدمجة، وتشغل 11.000 عامل، وتوفر 5٪ من صادرات المغرب. ومن حيث رقم المعاملات، فقد بلغ 1.5 مليار درهم، ويرتفع بنسبة 20٪ سنويا على مدى السنوات الثلاث الماضية.
توافد الشركات الأجنبية يشكل فرصة كبيرة للشركات المغربية للوصول إلى منصة متنوعة للمعارف الجديدة. وتوفر الشركات متعددة الجنسيات الإطار الأمثل لنقل المعرفة في أحد الميادين الصناعية غير التقليدية للمملكة. تُفيدنا نظرية التعلم التنظيمي (Théorie de l'apprentissage organisationnel) بأنه بإمكان الشركات اكتساب وتشغيل القدرات التقنية والتكنولوجية خارجية المنشأ بمساعدة شريك. هذه العملية تتم من خلال نهج تراكمي وتشترط إنشاء قدرات ذاتية داخليةتحميل على المستوى الاقتصادي
يعتمد النمو الاقتصادي، بحسب جوزيف شومبيتر، على الابتكار الذاتي المستمر الذي ينتج عن الاستثمار في الأبحاث والتطوير، والذي تقوم به شركات ''كبرى'' باحثة عن الربح. هذه الاستثمارات تراكم رأس مال بشري وتكنولوجيا من شأنهما خلق تأثيرات خارجية إيجابية تعود بالنفع على الاقتصاد بأكمله.
في حالة المغرب، فإن "النظم الإيكولوجية" لصناعة الطيران غنية جدا، مثل الصناعة الإلكترونية والصناعات المعدنية والكيماوية، وصناعة النظم والبرمجيات، بالإضافة إلى الخدمات. هذه الصناعات ستستفيد لا محالة من قدوم شركات صناعة الطيران العالمية إلى المغرب وسيدفعها العمل معها إلى الابتكار والتطويرتحميل
مخطط التسريع الصناعي (2014-2020) الذي قُدم أمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس هو في الواقع استمرار للخطة الوطنية للإقلاع الصناعي (2009-2015). من بين أهداف المخطط الجديد: رفع الناتج المحلي الإجمالي الصناعي من 14 إلى 23٪ وتوفير 500 ألف وظيفة في الصناعة. تجدر الإشارة إلى أن معدل نمو صناعة الطيران (ما يقرب من 20٪ سنويا) من المرجح أن يسهم (مع صناعة السيارات) في تحقيق هذه الأهداف.
قطاع صناعة الطيران سيثري سلة التصدير المغربية قليلة التنوع والمرونة والقيمة، مع إدخال منتجات ذات قيمة مضافة عالية. وعلى الرغم من خطر الركون إلى تقلبات الاقتصاد العالمي، فإن الأسواق الدولية تمثل فرصة من حيث حجم التداول. يُذكر أن النمو الديناميكي للاقتصاد المغربي مدفوع بشكل رئيسي بالطلب المحلي الذي يُعد غير كاف.على المستوى البشري
تفرض التحديات المستقبلية لصناعة الطيران على الأطراف المعنية، وهي الدولة والمهنيين، اعتبار عنصر الكفاءة سلاحا رئيسيا في سباق التنافس (يتنافس المغرب أساسا مع المكسيك وتونس وأوروبا الشرقية). جهود الدولة في هذا الصدد ممتازة لكن غير كافية، فقد تم افتتاح معهد مهن الطيران الذي يعتبر أول مدرسة تدريب قطاعية في المغرب، إضافة إلى المعهد المتخصص في مهن الطيران ولوجستيك المطارات، علاوة على فتح شعب مخصصة لصناعة الطيران بمعاهد التكوين المهني ومدارس الهندسة، وخاصة بالمدرسة المحمدية للمهندسين. هذه المؤسسات ربح كبير لقطاع الصناعة في المغرب، ولصناعة الطيران على وجه الخصوص؛ حيث إنها تساعد على رسملة المعارف المكتسبة إلى الآن ودمج المزيد منها في المستقبل.
تعتمد تنمية القطاع كثيرا على الكفاءة التكنولوجية والتعاون الوثيق بين الشركاء في سلسلة القيمة، لأن المتطلبات من حيث الجودة ودقة التصنيع وآجال الإنتاج عالية، ما يشكل تحديا لتأهيل اليد العاملة المغربية ورفع مستوى ممارسات إدارة الموارد البشرية في الشركات المحلية.على المستوى الرمزي
تبني المغرب لهذا النوع من الصناعات يعني انخراطه في اقتصاد المعرفة والاقتصاد اللامادي، مما ينطوي عليه توجيه الاستثمار نحو أنشطة تجمع بين القطاعين الثاني والثالث، من خلال إدخال المزيد من التكنولوجيا والابتكار على القطاع الصناعي. والمعرفة هي أساس التنمية الاقتصادية، وهذا ما يمكن التحقق منه بسرعة مع نظرة بسيطة إلى النموذج الاقتصادي لبلدان جنوب شرق آسيا. هكذا فإن صناعة الطيران تتيح للمغرب إمكانية الحصول على مكان بين اقتصاديات المعرفة والاقتصادات اللامادية.
وأخيرا، فإن بناء طائرة لا يزال واحدا من أفضل الاختراعات التي وصل إليها العقل البشري، ومساهمة المغرب في هذا الإنجاز الكبير ستكون له بلا شك نتائج إيجابية على الصورة الرمزية للمملكة، ويجعل لها موقعا في الاقتصاديات العالمية كأحد المساهمين في بناء طائرة. ( المقال نشر بجريدة هيسبريس -غشت 2016)
* عمر التجاني : أستاذ باحث بالكلية متعددة التخصصات بالعرائشباحث مشارك بمركز البحوث والدراسات في التسيير جامعة بو/ فرنسا
 
عودة
أعلى