Concours Commun UM6SS 2025-2026
ismagi

التيسير كرافعة لتحقيق التحول في المدرسة المغربية: قراءة أولية في الإطار المرجعي للتيسير عبد العزيز سنهجي

ab youssef

مشرف منتدى tawjihnet.net
طاقم الإدارة
التيسير كرافعة لتحقيق التحول في المدرسة المغربية:
قراءة أولية في الإطار المرجعي للتيسير

بقلم/ ذ. عبد العزيز سنهجي
عبد العزيز سنهجي 2025.jpg
تأتي وثيقة "الإطار المرجعي للتيسير" في سياق تنزيل خارطة الطريق 2022-2026 من أجل مدرسة الجودة للجميع، التي ترتكز على ثلاث دعائم أساسية: المتعلم، المدرس، والمؤسسة التعليمية. وهي ثمرة تعاون بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، إلى جانب المساهمة الفاعلة لعدد من الفاعلين الميدانيين (مفتشون، مديرون، أطر إدارية وتربوية...) الذين ساهموا في تعبئة ذكاءاتهم الجماعية المستندة إلى الخبرة والتجارب الميدانية. وقد أفضى هذا التفكير المشترك إلى إنتاج إطار مرجعي يوضح معالم التيسير كمنهجية وكممارسة داخل الفضاء التربوي.

وبذلك، يشكل المرجع الوطني للتيسير لبنة أساسية في التأسيس لرؤية تجعل من التيسير أداة استراتيجية لقيادة التغيير، ووسيلة لبلورة ثقافة مهنية مشتركة، ونقل الخبرات الميدانية، وتعزيز وعي الفاعلين بأهمية التيسير كمدخل لتحويل الممارسات التربوية التقليدية نحو بيئة مدرسية قائمة على التعاون والإبداع داخل منظومة التربية والتكوين المغربية.

في أهداف الإطار المرجعي للتيسير:
  • بلورة ثقافة مشتركة للتيسير تسهم في توحيد المفاهيم والممارسات بين مختلف الفاعلين.​
  • نقل التجارب الميدانية التي تراكمت عبر مسار التكوين والفعل الميداني.​
  • تعميق فهم دور الميسر وممارساته في دعم الإصلاح التربوي.​
  • استلهام النماذج والتجارب العملية من الواقع المدرسي المغربي، بما يعزز الإبداع والتجديد داخل الممارسات اليومية.​
في سياق انبثاق الإطار المرجعي للتيسير:
انطلق الاشتغال على إعداد المرجع الوطني للتيسير في إطار تنزيل خارطة الطريق 2022-2026، التي تهدف إلى إرساء مدرسة منصفة وفعالة. وقد اعتُمد هذا الدليل كأداة داعمة للإصلاح، عبر إشراك مختلف الفاعلين في ورشات عمل تشاركية امتدت على مدى مرحلة تكوينية-عملية متعددة السنوات، جمعت بين التصميم والتنفيذ والتقويم.

وقد انتهى العمل على النسخة النهائية للمرجع في سنة 2024، بعد تراكم خبرات ميدانية متولدة من تجربة "التكوين-الفعل"، التي تم خلالها اختبار أدوات التيسير داخل المؤسسات التعليمية، وتوثيق الممارسات الفضلى وصياغتها في نص مرجعي جامع.

في البنية الداخلية للإطار المرجعي:
يتكون الدليل من محاور مترابطة تعكس المنطق الذي تحكم في بنائه:​
  • الإطار النظري والتعريفي: يعرض مفهوم التيسير، غاياته، ومبادئه الأساسية داخل المنظومة التعليمية.​
  • الأهداف والقيم المرجعية: يحدد القيم المشتركة (الثقة، الانفتاح، الشمولية) التي توجه عمل الميسّرين.​
  • الممارسات العملية وأدوات التيسير: يقدم نماذج تطبيقية مثل فضاءات الحوار، الـ World Café، الخرائط التشاركية، والمقاربات السردية.​
  • الكفاءات المطلوبة للميسّر: يوضح المهارات الشخصية، التواصلية، والتقنية اللازمة لممارسة التيسير.​
  • الضوابط والأخلاقيات: يؤطر سلوك الميسّر ضمن قيم الاحترام، المسؤولية، والإنصاف.​
  • آليات التقييم والتطوير: يعرض شبكات للتقويم الذاتي للميسّر وآليات للتغذية الراجعة المستمرة.​
في المنهجية المعتمدة في البناء:
اعتمد المرجع مقاربة منهجية تجمع بين:​
  • التحليل النظري: من خلال الاستناد إلى الأدبيات الدولية حول القيادة التربوية والتغيير المؤسسي.​
  • التجريب الميداني: عبر تطبيق عملي للتيسير داخل المؤسسات التعليمية ومواكبة نتائجه.​
  • التشارك الأفقي: من خلال إشراك مختلف مستويات المنظومة (مفتشون، مستشارون، مديرون، مدرسون، متعلمون...).​
  • التوثيق والتحويل: بجمع التجارب الميدانية وتحويلها إلى نماذج معيارية قابلة للتكرار والتطوير.​
في رهانات التيسير
يضع المرجع التيسير في قلب رهانات الإصلاح التربوي، حيث يتجلى في:​
  • الإصلاح والتحسين المستمر: إدماج الممارسات الجديدة بشكل تدريجي وفعّال.​
  • تفكيك الحواجز التنظيمية والعلائقية بما يحرر الطاقات ويفسح المجال أمام التعاون والابتكار.​
  • خلق فضاءات آمنة للتعبير والتجريب حيث يتمتع الفاعلون بحرية التفكير دون خوف من الفشل.​
  • ترسيخ قيم الأمل والانفتاح والتحفيز بما يعزز الدينامية الإيجابية داخل المجتمع المدرسي.​
  • بناء ثقافة جماعية قائمة على التعاون تتيح تجاوز النزاعات الفردية وتوجيه الجهود نحو أهداف مشتركة.​
في جانبيات الميسير:
يلعب الميسّر دورا محوريا في نجاح مسار التيسير، ولذلك يحدد المرجع مواصفاته على مستويين:

في السمات الشخصية للميسر:
  • الصبر، الانفتاح الذهني، المرونة، النزاهة.​
  • التحفيز والإيجابية والقدرة على الإلهام.​
  • القيادة الهادئة (posture basse) التي تشجع على المشاركة الفعالة.​
في الكفاءات الأساسية للميسر:
  • كفاءات علائقية وأخلاقية: بناء الثقة، ضمان السرية، احترام التنوع.​
  • كفاءات في تصميم وهندسة العمليات: إعداد مسارات تشاركية متلائمة مع الأهداف والسياقات.​
  • كفاءات في التنشيط: تحفيز المشاركة، إدارة الطاقات والتوترات، وتيسير النقاشات.​
  • كفاءات نسقية واستراتيجية: القدرة على فهم التعقيد، ربط الفاعلين، وبناء شراكات مستدامة.​
في الأدوات المعتمدة في التيسير:
* فضاءات الحوار التشاركي​
  • تنظيم دوائر للنقاش والحوار المفتوح بين مختلف الفاعلين (مدرسون، تلاميذ، إداريون...).​
  • خلق بيئة آمنة تسمح بالتعبير عن الرأي بحرية وبناء الثقة داخل الجماعة.​
* تقنية الـ World Café
  • مقاربة تشاركية تقوم على تقسيم المشاركين إلى مجموعات صغيرة تتبادل النقاش حول قضايا محددة.​
  • تساهم في خلق دينامية جماعية وتوليد أفكار مبتكرة بطريقة تفاعلية.​
* الخرائط التشاركية​
  • أدوات بصرية تساعد على توضيح المشكلات، رسم مسارات الحلول، أو تخطيط المشاريع.​
  • تجعل الأفكار أكثر وضوحا وتساعد على اتخاذ قرارات جماعية مبنية على رؤية مشتركة.​
* المقاربات السردية (Storytelling)​
  • اعتماد السرد لتقاسم التجارب، إعادة بناء الهوية الجماعية، وتحفيز التعلم المشترك.​
  • تمكّن من تحويل الخبرات الفردية إلى معرفة جماعية قابلة للتوظيف.​
* آليات التغذية الراجعة​
  • استعمال أساليب مثل "ماذا تعلمنا؟ ماذا سنغير؟" في نهاية الورشات.​
  • تعزز التحسين المستمر وتضمن استمرارية التعلم الجماعي.​
* شبكات التقييم الذاتي​
  • أدوات عملية لتقييم أداء الميسّر ومسار التيسير.​
  • تسمح بالمراجعة الدورية وتطوير الكفاءات المهنية والأخلاقية.​
في الضوابط والأخلاقيات للتيسير:
أبرز الإطار المرجعي مجموعة من القيم الأخلاقية التي تحكم عمل الميسّر، من بينها:​
  • الاحترام والتواضع في التفاعل مع جميع الفاعلين.​
  • السرية والمسؤولية لضمان الثقة داخل الجماعة.​
  • الشمولية والإنصاف من خلال احترام التنوع وتقدير مختلف الآراء.​
  • المساءلة المشتركة لضمان أن القرارات والنتائج ثمرة مشاركة جماعية وليست إملاءات فوقية.​
يبرز الإطار المرجعي الوطني للتيسير كوثيقة تأسيسية في مسار إصلاح التعليم المغربي، إذ يضع التيسير في صميم التغيير التربوي، ليس فقط كأداة تقنية، بل كثقافة مهنية جديدة منسجمة مع عصر التعقيد واللايقين. فالميسّر لا يقتصر دوره على إدارة النقاشات، بل يتعداها إلى بناء هويات مشتركة وبيئات آمنة ومحفزة، وإلى دفع التغيير عبر قيم التعاون، الإبداع، والإنصاف.
إن التيسير، كما يقدمه المرجع، رافعة تحويلية تعيد تعريف المدرسة المغربية في أفق جعلها أكثر عدلا، وفعالية، وجودة، بما يتماشى مع طموحات الإصلاح التربوي في أفق 2030.

أسئلة ختامية للنقاش:
  • كيف يمكن لهذا العمل، أن يصمد أمام مقاومة التغيير داخل المؤسسات التعليمية المغربية، خاصة لدى الفاعلين المتعودين على أنماط القيادة التقليدية والممارسات الرتيبة؟​
  • كيف يمكن للتيسير أن يأخذ بعين الاعتبار التفاوتات المجالية والاجتماعية بين الوسطين الحضري والقروي؟​
  • بأي آليات يمكن إدماج التيسير في الممارسات اليومية للمؤسسة التربوية دون أن ينظر إليه كعبء إضافي؟​
  • ما هي الاستراتيجيات الممكنة لبناء قدرات الميسّرين وتوسيع قاعدة المؤهلين لممارسة هذا الدور الحيوي واحتضانه؟​
  • كيف يمكن ضبط الجانب الأخلاقي وضمان حياد الميسّر حتى لا يتحول التيسير إلى مجرد ممارسات شكلية أو أداة لإعادة إنتاج نفس الأعطاب التنظيمية؟​
  • إلى أي حد يمكن اعتبار التيسير امتدادا أو تطويرا لممارسات سابقة مثل المصاحبة، والمواكبة والمرافقة داخل الوسط التربوي؟ وهل سيسمح التيسير بإعادة تعريف هذه الممارسات وتجميعها في إطار مفاهيمي موحّد، أم سيؤدي إلى إعاقة ذلك التناغم والانسجام المطلوب في الأدوار والمهام؟​
  • كيف سيتم تدبير التداخل بين التيسير وباقي آليات الدعم التربوي والنفسي الاجتماعي حتى لا تتحول إلى تكرار أو تنافس غير منتج؟​
  • هل سيلقى مفهوم التيسير استقرارا وتطبيقا متدرجا داخل الحقل التربوي، أم ستعرف هذه الممارسة صعوبات وقطائع تجعلها تتوقف في منتصف الطريق بناء على ما عشناه من تجارب سابقة؟​
  • وأخيرا، كيف يمكن توظيف التيسير كرافعة استراتيجية لتحقيق العدالة والجودة والاستدامة في المدرسة المغربية في أفق 2030؟​
ذ. عبد العزيز سنهجي
الرباط، في 1 أكتوبر 2025​
 
عودة
أعلى