Concours Commun UM6SS 2025-2026
ismagi

استشراف التسرب المدرسي عبر نموذج TEDP: مقاربة تحليلية - عبد العزيز سنهجي

ab youssef

مشرف منتدى tawjihnet.net
طاقم الإدارة
استشراف التسرب المدرسي عبر نموذجTEDP: مقاربة تحليلية
بقلم، عبد العزيز سنهجي
استشراف التسرب المدرسي عبر نموذجTEDP  مقاربة تحليلية عبد العزيز سنهجي 2025.jpg
يشكل التسرب المدرسي واحدة من أكثر الظواهر تعقيدا داخل الأنظمة التربوية المعاصرة، ليس فقط بسبب آثاره السلبية على المسارات الفردية للمتعلمين، ولكن أيضا لما ينتجه من تداعيات اجتماعية واقتصادية واسعة تمتد إلى المجتمع ككل. وقد حاولت الأدبيات التربوية تفسير هذه الظاهرة عبر نماذج متعددة، تتراوح بين المقاربات السيكولوجية التي تربط الانقطاع بضعف الدافعية وتدني الكفاءة الذاتية، والمقاربات الاجتماعية التي تنظر إليه كنتيجة لغياب الدعم الأسري أو لظروف اقتصادية هشة، إلى جانب المقاربات البيداغوجية التي تعتبر أن جودة الحياة المدرسية، وطبيعة أساليب التدريس، وشعور المتعلم بالاندماج، تعد روافع أساسية لاستمراره داخل المسار التعليمي. ويبرز في هذا السياق النموذج التحليلي الذي قدمه "تينتو"، والذي يعتبر أن قرار المغادرة لا يحدث بشكل مفاجئ، بل هو نتيجة عملية تراكمية يتفاعل فيها الشعور بالانتماء والدعم المؤسسي مع تجربة المتعلم اليومية في المدرسة، فيما تذهب نظريات التوقعات والقيمة إلى أن التلميذ يواصل التعلم فقط حين يجد معنى لما يمارسه ويرى ارتباطا ملموسا بين جهده الحالي ومستقبله المحتمل.

ضمن هذا الإطار النظري، تكتسب وثيقة Trousse d’évaluation des décrocheurs potentiels (TEDP) اهميتها العلمية، إذ تقدم نموذجا عمليا يستند إلى مقاربة تشخيصية دقيقة تسمح بتحديد المتعلمين الأكثر عرضة للانقطاع، دون الوقوع في فخ الإفراط في استعمال قوائم طويلة من عوامل الخطر التي قد تربك عملية التقييم. تعتمد الوثيقة على مؤشرات قوية تسهم في فهم الهشاشة التربوية في سياقاتها الحقيقية، وتقوم بتمييز المتعلمين وفق أنماط مختلفة، مما يسمح للمدرسة بتطوير تدخلات تفاضلية تنطلق من طبيعة الصعوبات وليس من مظاهرها. ومن بين أهم الافكار التي تقدمها الوثيقة أن التلاميذ الذين يوصفون بالهادئين قد لا يشكلون أي إرباك للنظام المدرسي، إلا أنهم يعانون في العمق من ضعف في الأداء الأكاديمي، ما يجعلهم جزءا من الفئة الأكثر تمثيلا بين المتعثرين، وهو ما يقتضي دعما دراسيا يدمجهم داخل القسم بدل عزلهم في مجموعات علاجية تكرس الوصم وتؤثر سلبا على تقديرهم لذواتهم. أما فئة غير المنخرطين، فتتميز بغياب الدافعية دون وجود مشكلات سلوكية أو معرفية واضحة، وغالبا ما ينشأ ذلك من إحساس بالملل أو فقدان المعنى، مما يجعل التدخل موجها نحو إعادة بناء علاقة المتعلم بالتعلم من خلال أساليب تدريس تفاعلية وأنشطة معززة للاندماج، إضافة إلى دور الأسرة في دعم الدافعية المدرسية. وفي المقابل، يظهر المتعلمون ضعفاء الإنجاز كحالات تتطلب دعما معرفيا معمقا وبناء تدريجيا للمهارات الأساسية بسبب تراكم فجوات تعلمية تحول دون استمرارهم، بينما تحتاج الفئة غير المتكيفة إلى تدخلات متشابكة تشمل الدعم النفسي والتربوي والاجتماعي، نظرا لوجود صعوبات سلوكية أو انفعالية تتجاوز حدود التدخل التعليمي الصرف.

وتؤكد وثيقة TEDP في مختلف أجزائها أن التشخيص لا ينفصل عن التدخل، وأن أي عملية تقييم لا تكون ذات جدوى إن لم تتحول إلى خطة عمل قابلة للتنفيذ تراعي خصوصيات كل فئة. لذلك فإن اعتماد مقاربة تفاضلية يصبح ضرورة بيداغوجية، لأن ما يناسب التلميذ غير المنخرط قد لا يناسب التلميذ الهادئ أو ضعيف الإنجاز، ولأن تقديم الاستجابات نفسها لمتعلمين مختلفين يؤدي إلى استمرار الهشاشة بدل معالجتها. كما تشدد الوثيقة على أهمية توحيد منهجية تمرير الاستبيانات واعتماد إجراءات تضمن سرية البيانات واحترام اخلاقيات البحث، بما يعزز موثوقية النتائج ويسمح ببناء قرارات تربوية مبنية على معطيات دقيقة (TEDP, p.13-27).

إن القيمة العلمية لهذا النموذج تكمن في قدرته على الربط بين النظرية والممارسة، فهو لا يقدم فقط قراءة تفسيرية للتسرب المدرسي، بل يترجم تلك القراءة إلى آليات تشخيصية ومداخل تدخل قابلة للتطبيق داخل المؤسسات التعليمية. وبينما تبين الأدبيات التربوية أن الوقاية أكثر فعالية من العلاج، تأتي اداة TEDP لتعزز هذه القناعة عبر توفير وسيلة تمكن الفاعلين التربويين من اكتشاف الهشاشة قبل أن تتحول إلى انقطاع فعلي. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا النموذج رهينا بمدى استعداد المدرسة لاستثماره، وبمدى توفر التكوين الملائم للمدرسين، وبقدرة المؤسسة على خلق جسور تواصل مع الاسرة ومع الفاعلين الاجتماعيين لضمان تكامل الأدوار.

في النهاية، يمكن القول إن وثيقة TEDP تقدم إضافة نوعية لمجال التربية، لأنها تسمح بفهم اوسع وأكثر دقة للمتعلمين الذين يسلكون مسارات الهشاشة المدرسية، وتدعو إلى بناء تدخلات تشاركية تعيد للتلميذ مكانته داخل المدرسة وتضمن استمراريته داخل مساره التعليمي. إن هذه المقاربة التي تجمع بين العمق النظري والفعالية التطبيقية تجعل الوثيقة مرجعا مهما لكل الباحثين والمهنيين المهتمين بقضية التسرب المدرسي وبآفاق الوقاية منه.​

الرباط، في 8 نونبر 2025
1f7e9.png
مقال : استشراف التسرب المدرسي عبر نموذج TEDP : مقاربة تحليلية - عبد العزيز سنهجي​
المراجع:
• Trousse d’evaluation des decrocheurs potentiels TEDP
• Tinto, V. Leaving College: Rethinking the Causes and Cures of Student Attrition, 1993.
 
عودة
أعلى