ismagi
formations

البعد الفلسفي للتوجيه أو التوجيه كممارسة فلسفية

tawjihnet

مدير عام tawjihnet.net
طاقم الإدارة
سوسيولوجيا التوجيه والادماج المهني
البعد الفلسفي للتوجيه
أو التوجيه كممارسة فلسفية.

abdleaziz-senihji-2020.jpg

انجاز : عليوي الخلافة
طالب ماستر سوسيولوجيا التربية.
كلية الآداب والعلوم الانسانية
جامعة ابن طفيل القنيطرة، المغرب [email protected]

ضمن سياق تعزيز ودعم التكوين الذي يتلقاه طلبة ماستر سوسيولوجيا التربية في وحدة سوسيولوجيا التوجيه والادماج المهني المؤطرة من طرف الاستاذ عبد العزيز سنهجي، الذي يرجع له الفضل الكثير، مشكورا جزيل الشكر في إثارة انتباهنا إلى أهمية إشكالات التوجيه في الفعل التربوي، وفي هذا السياق تم إنجاز هذه الورقة المتحورة اشكاليتها حول التوجيه و التأكيد على أهميته في الحياة الوجودية للإنسان، وكيف أنه في معظم مراحل حياته يتعلم من أجل أن يحيا، لكن هذا التعلم ينبغي أن تأطره فلسفة توجيهية، وهو ما يجعل تيمة التوجيه في قلب كل فلسفة وجودية ويجعل من فعل التوجيه ممارسة فلسفية بالأساس، وفي هذا الإطار يكون العمل بالمشروع بمثابة الخطة العملية الناجعة لبلوغ هذا الأمر وجعله ممكن التحقق، وليس فقط مجرد خطاب تجريدي. كيف يمكن أن نجعل من فعل التوجيه ليس مجرد مسألة تقنية لحظية بل فلسفة موجهة للفرد طيلة حياته يعثر من خلالها على معنى وأصالة وجوده؟

إن موضوع التكوين المهني والتعلم مدى الحياة من المواضيع الأكثر أهمية في الأبحاث حول التوجيه المدرسي والمهني، يتأسس اليوم البحث في هذا الموضوع على أهداف وغايات برغماتية وعملية، بغرض تقوية الكفاءات التكوينية وتأهيل الطلبة للعمل وسوق الشغل. وبهذا تصبح المسألة الأساسية لمستشار التوجيه وغاياته...تهدف إلى طرح أسئلة ذات طبيعة سياسية فلسفية وإتيقية... وطرح السؤال كيف يمكن التركيز إيجابيا على الحياة المهنية والحياة الخاصة للأفراد في مجملها وذلك من أجل تطوير الإمكان البشري؟ حيث أن التوجيه لم يعد يقتصر على لحظة زمنية ضيقة ومحدودة بل هو سيرورة تستمر طيلة الحياة، فأصبح ينظر إلى التوجيه بوصفه ذا بعد فلسفي، وحامل لبعد نقدي في التفكير المتعلق بالتوجيه، المسألة الثانية ترتبط بإقحام الجانب القيمي في التوجيه، وكذا البعد الوجودي في القضايا حول التعلم مدى الحياة؟ وهي الأسئلة التي يمكن أن نختزلها في سؤال "أين توجد الحياة السعيدة؟"

في هذا الإطار يجب العودة إلى العديد من الدراسات ذات المنحى الوجودي كفلسفة سورين كيركجارد، حنا ارندت وإلى الحوار السقراطي، والربط بين معنى الحكمة ومعنى الايروس، ومفهوم التقني، دون أن يفقد معناه التجريدي، (الابستيمي) كما يجب العودة إلى الفيلسوف الهرمينوطيقي هانز غادامير وإلى معنى مفهوم التكوين Bildung أي التفكير الممكن للفعل، التفكير حول الجيد الخير والجميل والصائب وكل ما يرتبط بالممارسات الوجودية.

لقد سبق أن أصدرت اليونيسكو تقريرا حول التعليم سنة 1996 يؤكد على أن التكوين يتأسس على أربع مرتكزات أساسية وهي: التعلم من أجل المعرفة، التعلم من أجل الفعل، التعلم من أجل العيش جماعة ومع الغير، ثم التعلم من أجل الحياة، apprendre à être .

إذا كانت المرتكزات الثلاث الأولى حاضرة ضمن السياسات التربوية فإن هناك غياب للمرتكز الرابع، التعلم من أجل الحياة، إن هذه المقاربة وهذا البعد الفلسفي في التفكير في مجال الكفايات منذ مدة حول التعلم مدى الحياة، أدى إلى الانتباه للمواضيع الاتيقية والاستطيقية في التعلم. إن اكتساب كفاية "تعلم الحياة" يرتكز أساسا على بعد الحياة في التربية وذلك من أجل التنمية الشاملة للفرد جسدا وروح، ذكاء وإحساس، حس جمالي ومسؤولية شخصية.

وإذا ما عدنا إلى اليونان القديمة فسنجد بأن المدرسة شكلت فضاء حرا لأجل المواطنين الأحرار تسمح لهم بإرواء عطشهم المعرفي حول قضايا العالم والإنسان، ومعرفة الشيء الخير والجميل، حيث ينظر إلى التعليم كرسالة إبداعية تهدف إلى إثارة دهشة المتعلم، وإثارة انتباهه إلى الوجود بالإضافة إلى دفعه بعد تفكير إلى اختيار ما يراه حقيقة وجيد وجميل، وهذا ما أسماه سقراط قلق الذات الإغريقي. إن تعلم الحياة يعني تعلم فن العيش، في إطار الدهشة الفلسفية وهو ما اعتبره روسو " الإحساس بالوجود" واستعمل شارل تايلور مفهوم "الأصالة" للدلالة عليه، إن نشوة العيش مرتبطة بهذه المقاربة التأهيلية والأصيلة للعالم وللآخرين، وسيكون وبالموازاة مع ذلك فرض مقاربة أكثر فلسفية لتوضيح الكفايات الأساسية للتعلم مدى الحياة، فهل يمكن أن نحددها انطلاقا من كفايات أساسية خاصة؟ أم سيكون من الواجب علينا إعادة تفكير مفهومي التربية والتوجيه؟

إن الهدف الرئيسي للمشروع هو تطوير استراتيجيات تحليل أساسية للعلاقة بين توجيه فلسفي ومعرفة تطبيقية وتكوين مهني وإقامة قاعدة تجارب، فالكيفية التي ينبغي أن يكون عليها التوجيه الفلسفي، في إطار الممارسة بالإضافة إلى تجارب منجزة من طرف مستشاري التوجيه والذين يحتاجون إلى إعادة صياغة رؤيتهم للتوجيه. وهذا كله من أجل خلق وتطوير إطار للفهم وقاعدة المعارف لأجل توجيه فلسفي في إطار التكوينات المهنية.

ومن أجل صياغة معارف تطبيقية وأصيلة للتوجيه ومن أجل مقاربة ممكنة لتحديد المعارف الضمنية التي تمرر في المدرسة Tacite knowledge في هذا الإطار طرح سؤال مركزي لمعرفة نوع التعليم والتوجيه الذي يجب تطويره وهو ما يدفعنا إلى جعل هذا النمط من المعرفة مفكرفيه . وإذا كان بالإمكان جعل الخبرات التطبيقية الفردية المتراكمة لسنوات في حقل الممارسة والتي تتشكل كحدوس وكخبرات ميدانية "حكم خبراتية phronesis" قابلة للنقل والتعلم، وهذا من خلال العمل على كشف انحرافات النظريات المرتبطة بالتوجيه المهني أثناء تنزيلها، وأيضا من خلال العودة إلى التقارير التي ينجزها الطلبة حول تداريبهم المهنية وتأويل النصوص ذات الطبيعة الوصفية والحكائية والاثنوغرافية لتقارير تداريبهم، واستثمار هذه الممارسة الملموسة من أجل تشكيل معرفة تساعدنا في فعل التوجيه والاستشارة المهنية. إن نجاح مستشاري التوجيه يتوقف أساسا على تأسيس معارفهم بناء على التجارب الواقعية الميدانية أي العمل وكأنهم في قلب الوضعية المهنية.

إن إدراك جانب الأصالة ضمن التوجيه المدرسي والمهني، يمنح أيضا لمعنى التكوين والتوجيه المهني معنى جديد، جعل مفهوم الرسالة vocation بمعناها الاشتقاقي يقترب من مفهوم النداء والاستجابة إلى النداء، بمعنى آخر أن مستشار التوجيه لا يقوم سوى بتشجيع من يطلب التوجيه، وتوجيهه إلى الاستماع لرسالته، أو إلى ندائه الداخلي، كما يوجد داخله للقيام باختيار حقيقي يناسب أصالته، ويقدره حق قدره، وضمن إطار المقولة السقراطية الشهيرة " أيها الإنسان أعرف نفسك بنفسك".

إن فرضية هذا العمل تقوم على فكرة أن الممارسة الفلسفية للتوجيه تمنح لنا حلا ملموسا يسمح لنا بالاشتغال بشكل عام على البعد الوجودي في مجال التكوين والتعليم المهني، وبشكل أكثر تحديدا تقترح نموذجا للبحث من أجل الممارسة الفلسفية للتوجيه التي يمكن أن نفهمها في إطار التقاطع بين المفاهيم الفلسفية للأصالة والتكوين والوحود آو كما قال سورين كيركجارد في التفاعل بين ما هو استطيقي، ديالكتيكي وما هو اتيقي. بهذا المعنى فقط عندما نأخذ هذه المفاهيم الفلسفية بجدية أمكننا أن نضع مرادفات نفسية اجتماعية بنائية واداتية والتي تميز دائما وقبل كل شيء العادات العلاجية التقليدية والتي شكلت قاعدة لجزء كبير من مادة التوجيه في القرن 20.

وفي الجذور التاريخية نجد أن التطبيق الفلسفي للتوجيه له جذور ممتدة تمتد في القدم قدم الفلسفة كفن للعيش، وعلى الرغم من هذا نجد أول ممارسة فلسفية معاصرة للتوجيه عند الفيلسوف. فالممارسة الفلسفية للتوجيه تعد اليوم ظاهرة ضرورية دوليا سواء في القطاع التربوي ،الاجتماعي، الصحي أو في الحياة الاقتصادية، ومجال تطوير الموارد البشرية.

ففي البدء كان التوجيه الفلسفي يتميز بالتمركز حول المضمون وحول ما يقوله من يطلب التوجيه، وليس حول العوامل والقوى والمحفزات النفسية التي يمكن أن تكون حقيقة ضمن ما يقوله، كما يمكن أن بكونها.

فأصل التطبيق الفلسفي للتوجيه أنه ليس سوى فلسفة نظرية وتطبيق بالمعنى الأكاديمي حول الاتيقا الاستطيقا، السياسة، والدين والموضوعات الوجودية، إن التطبيق الفلسفي للتوجيه غايته أن يكون ممارسة فلسفة حوارية على الطريقة السقراطية "توليدية" ترتبط بموضوع الحقيقة والعلاقة مع العالم، في ما يتوقعه طالب التوجيه وما يراه ويتصوره ويفهمه، كيف يرى العالم؟ وكيف يتصوره، أفكاره، أماله، رغباته وكل ما يشكله كشخص؟.

إن التطبيق الفلسفي للتوجيه بما هو براكسيس بالمعنى الأرسطي، كغاية في ذاته وليس وسيلة، سيجعل التوجيه الفلسفي غاية وجودية وترجمته في مفاهيم فلسفية الصداقة، الحب، تقدير الذات، الواجب... على شكل أسئلة وجودية من قبيل، ما معنى العيش بشكل صحيح وأصيل؟ حيث تغدو الفلسفة محاولة للقبض على تجربة الحياة كمشروع دائم كشيء يعبر عنه في الزمن والذي يحتاج إلى تفكير فلسفي لكي يجد تعبيره، لهذا فالتوجيه كممارسة فلسفية يهدف إلى كشف تجارب الإنسان في تحديد أسسس التوجيه الفلسفي وهو توجيه قائم على 5 مراحل كالتالي :

  • المرحلة الأولى: تأتي في المنحى العلاجي، فمستشار التوجيه الفلسفي يعمل على الاستماع إلى من يطلب التوجيه.
  • المرحلة الثانية: هي المرحلة التأويلية حيث مستشار التوجيه يستمع إلى الفرضيات التي يقدمها طالب التوجيه، وسيكون من الواجب عليه ألا يفرض على طالب التوجيه أي موضوع وأن يترك له تسير المقابلة بإيقاعه الخاص.
  • المرحلة الثالثة: ترتبط بجانب التفكير النقدي حيث يرتبط الإشكال هنا بالسؤال الفلسفي الذي تم اختياره، فإذا كان الزائر يتجه إلى الجواب بسرعة فإن دور الموجه هنا مثل دور سقراط هو اختبار العمق الفلسفي لشخصه، بدفعه إلى القيام بتعديل ونقد وتجاوز من أجل تعميق وتطوير رؤيته للأشياء.
  • المرحلة الرابعة: هي مرحلة العودة إلى الوضعية الواقعية لطالب التوجيه، للربط بين القضية الفلسفية التي تم اختيارها، وحياته الخاصة، أي أن يجعل وجوده كتيمة التفكير.
  • المرحلة الخامسة: دفع طالب التوجيه ليجد بنفسه الجواب المقنع لوضعيته، في هذه الحالة سيكون على الباحث عن التوجيه تكوين فهم واسع لوضعيته، ولموضوعه، لإيجاد المقاربات البديلة في الطريقة التي سيعبر بها عن إشكاليات.
وهكذا فإن الأمر لا يتعلق بمسألة نظرية بل هو أمر عملي يرتبط بتجسيد مواقف بشكل يومي، وطبيعة علاقته مع الآخرين ومواقفه تجاه الحياة، إنها صيرورة من التكوين مدى الحياة وحالة من التعلم والتيقظ لما يرتبط بحياة المستقبل، وذلك بعيش حياة فلسفية راهنية أو كما عبر عنها سقراط العيش حاملا لقلق الذات. يرتبط هذا الأمر أساسا بالمقاربة بالمشروع والتي تهدف إلى تحقيق أفضل لكفاية التعلم، كيف نحيا من أجل تعلم وتوجيه مدى الحياة.
 
عودة
أعلى