ismagi
formations

المستشارون في التوجيه : من مهن الأمل إلى نزوع عام إلى الفشل

ab youssef

مشرف منتدى tawjihnet.net
طاقم الإدارة
المستشارون في التوجيه بالمغرب :
من مهن الأمل إلى نزوع عام إلى الفشل
من مهن الأمل إلى نزوع عام إلى الفشل.jpeg

مقال الرأي : حمزة الشافعي

عجل صدور مرسوم رقم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية بالجريدة الرسمية عدد 7237 (09 أكتوبر 2023) بتوحيد الشعور العام الذي يعتري مستشاري التوجيه التربوي عبر كل مديريات التعليم بالمغرب. هذا الشعور العام الموحد يمكن وصفه بالنزوع الرهيب نحو الفشل، باعتبار هذه الفئة أكثر الفئات التي تكبدت الخسائر المهنية والنفسية والاجتماعية والاعتبارية منذ نظام 2003 انتهاء بالنظام الأساسي الجديد 2023.
مبررات النزوع نحو الفشل لدى المستشارين في التوجيه التربوي:
  • الخسائر المهنية الفادحة نتيجة فقدان الهيئة الأصلية والتاريخية (هيئة التوجيه والتخطيط التربوي) والعودة مجددا نحو هيئة الانطلاق (هيئة التربية والتعليم).​
  • الخسائر المهنية الفادحة نتيجة الحرمان من حق تغيير الإطار إلى مفتش أسوة بالأفواج السابقة (أفواج ما قبل 2003) رغم مماثلة مدة تكوين هذه الفئة بمدة تكوين المفتشين التربويين، إلى جانب فقدان الاقدمية في الدرجة بعد التكوين.​
  • الخسائر المالية الفادحة دون تعويض أثناء فترة التدريب بمركز وطني (مركز التوجيه والتخطيط التربوي بالرباط) وبعد التخرج، لكون جميع مصاريف التنقل والإيواء والتغذية أثناء التنقل بين المؤسسات المتباعدة والهاتف واستعمال الانترنت والحواسب الشخصية ومصاريف التواصل مع المتعلمين والآباء ومديري المؤسسات تؤدى من الأجرة الشخصية للمستشار في التوجيه التربوي دون أي تعويض عن ذلك.​
  • الخسائر المالية والاجتماعية الفادحة بعد التخرج والتكوين (تعيينات وطينة قاسية لخريجي مركز التوجيه والتخطيط التربوي وقلة فرص الحركة الانتقالية) وغياب التعويض عن حضور الاجتماعات بالمديريات والتنقل بين المؤسسات وإنجاز مهام متنوعة...​
  • الخسائر النفسية نتيجة الإحساس بالغبن وتضييع سنوات بل عقود من الزمن في التنقل بين المؤسسات التعليمية دون أفق مهني محفز، ودون اعتراف بالتضحيات المادية والنفسية والاجتماعية، وأيضا، نتيجة الاحساس بالقهقرة المعنوية و"اللاقيمة" بين أطر الوزارة، رغم المسار التكويني المتميز للمستشارين والذي يعتبر، إلى جانب تكوين المفتشين التربويين والمبرزين وفوج 2020-2022 لأطر الإدارة التربوية، كأعلى تكوين توفره الوزارة الوصية.​
  • الخسائر العلائقية المرتقبة، حيث سيجد المستشار في التوجيه التربوي أنه قد عاد من جديد إلى دائرة الصراعات والتجاذبات الفارغة والمجانية مع أطر الإدارة المدرسية والتدبير لغياب منطق التراتبية العقلانية ضمن الهيئات الثلاث المقررة في النظام الأساسي الجديد، مع استحضار دروس دينامية المجموعات وفوضى القبائل التربوية والصراع والقيادة والتراتبية والأحقية/الأهلية والجنوح للسلط(وية)... إلخ كل ذلك وارد مستقبلا، بعد سيادة التعاون التام والتنسيق الجيد، والتوازي الوظيفي والمهني بين المستشارين في التوجيه التربوي وبين أطر هيئة الإدارة التربوية وباقي الهيئات. والخاسر الأكبر، سيكون المنظومة التربوية بكاملها حالة اندلاع صراعات مهنية-تراتبية-وظيفية بين أطر الهيئات وبروز اللاتناغم واللاانسجام.​
  • خسائر في المهام بعد إضافة مهام لا علاقة للمستشارين في التوجيه التربوي بها مثل المشاركة في أنشطة الحياة المدرسية والأنشطة الموازية... فهل يعقل أن يتعرض المستشار في التوجيه التربوي لكل تلك الخسائر المادية والنفسية والاجتماعية الفادحة أثناء التكوين بمركز وطني وبعد التخرج منه، مع الحرمان من إطار مفتش في التوجيه التربوي، وبعد ذلك يعود لساحة المؤسسات التعليمية ليقوم بالتنشيط المدرسي (ترديد الأناشيد، الغناء، المشاركة في الرحلات المدرسية وزيارة المتاحف، التعرف على غابة الحيوانات، الصباغة والألوان، تحدي "الطباخ الماهر"، "من سيفجر البالون الملون؟" مسابقة "هيا نجري"، ربورتاج "الكتكوت حافي القدمين"...).​
دروس لابد منها للذين لم يمارسوا قط الاستشارة في التوجيه التربوي ميدانيا:

التوجيه التربوي مهنة (زرع وتوليد) الأمل planting/generating hopeلدى المتعلمين والمتعلمات، والأمل الذي ينثره المستشار في التوجيه التربوي يتوحد ليأخذ لون الإمكان(نية)، ليتجاوز بذلك أي اختلاف وتمايز في الأوساط الاجتماعية والبيئات الثقافية والخلفيات الاقتصادية للمتعلمين والمتعلمات. فمع الأمل المنثور بلا حدود وبلا "خلفية طبقية"، تندثر كل فرضيات الإمكان(نية) المشروط(ة) بالظروف/الخلفية الاقتصادية والمادية والعلائقية لأسرة للمتعلم(ة). وحده المستشار في التوجيه التربوي من يمكنه القيام بهذه المهمة بنجاح لأن جذور مهمته/رسالته mission هي صناعة الأمل (التوجيه!...).

كما أن التوجيه التربوي مرتبط بالحافزيةmotivation ؛ تلك القوة الداخلية الخارقة التي قد ينتج عنها تجاوز متواصل لمعيقات/عراقيل كثيرة في المسار الدراسي للمتعلم(ة). فبحكم تجاربه كمتعلم سابق وكطالب في الكلية (أو غيرها) وأستاذ ممارس ثم كمستشار في التوجيه التربوي، متفاعل ضمن/مع سياقات مهنية وعلائقية وزمنية ومعرفية وحياتية متعددة ومتنوعة، فالمستشار في التوجيه التربوي يعرف جيدا كيف يحفز وكيف يطلق عنان الحافزية/الدافعية drive/motivation للتفوق الدراسي لدى المتعلم(ة)، وكيف يساعده(ا) لسبر أغوار الاختيار الدراسي-التكويني-المهني الأنسب والملائم لقدراته(ا) ومؤهلاته(ا) وميولاته(ا)...

التوجيه التربوي سفر في المستقبل يأخذ المتعلم(ة) بين قارات المهن وشواطئ تكويناتها وأمواج متطلباتها وصيد امتيازاتها وضجيج سلبياتها ومفاتيح الخروج من أي تردد وحيرة أثناء اتحاذ القرارات. فالمسافر هنا متعلم(ة) learnerيستعلم ذاتيا ويبحث شخصيا، لكن بمرافقة وتوجيه وإرشاد ونصح واستشارات وإشارات من إطار في التوجيه التربوي، يفترض منه أن يكون ضمن وضعية سمتها الدينامية والحركية والتنقل بين المؤسسات بكل أنواعها، خاصة كانت أو عمومية، بدل الخضوع لوضعية اعتقال فضائي (مكاني-زمني)، ولوجيستي (العدة وشورط العمل) واعتباري-تراتبي (التحفيز وشبكة العلاقات): إنه تنقل حي ومحفز وممأسس وممهنن بين معاهد ومؤسسات التكوين العالي والمهني، الشركات المشغلة، المؤسسات الثقافية، المؤسسات الحزبية/السياسية، المؤسسات والوحدات السياحية، مؤسسات البحث العلمي، المختبرات، المؤسسات الاجتماعية (مراكز الرعاية والادمان) والنفسية (وحدات وخلايا الطب النفسي)، المؤسسات الصحية/الطبية والشبه طبية، المؤسسات العسكرية والشبه عسكرية، المؤسسات الرياضية، مؤسسات إعادة الادماج (وحدات الأحداث والسجون)، المؤسسات الدينية (مراكز تكوين الأئمة والمرشدين والمساجد والزوايا)...

إذن، فالمستشار في التوجيه التربوي عنصر حيوي وضروري في صناعة وتوليد "الأمل" وبعث "الحافزية" وقيادة سفن وطائرات وغواصات ومدرعات "السفر في (مهن) المستقبل" بكل تحدياته، لأنه إطار ديناميكي بحكم المهام الفعلية التي يجب أن يقوم بها (البحث المتجدد عن المعلومة ومصادرها وتحري دقتها وتصنيفها والحرفية في تقديمها)، وشخص يجب أيضا أن يكون مصدرا حقيقيا لذلك الأمل والحافزية لجعل الآخر (المتعلم(ة)) متفاعلا مع تلك المعلومة ومستوعبا لها ومستفيدا منها (كشخص منتج فعليا للأمل وباعثا بارعا للحافزية وليس متصنعا/ممثلا تحت الضغط والإكراه)... لكن للأسف، فالذي(ن) يفكر(ون) وينظر(ون) للتوجيه التربوي ينظر(ون) إلى الأمور "تقنيا" ويصر(ون) على حصر أدوار المستشار في التوجيه التربوي في "عمليات ميكانيكية" وأدوار "تقليدية تقنية" التهمتها موجات الرقمنة والحوسبة المعاصرة والشاملة. والنتيجة هي أن "الأمل" و"الحافزية" و"الدينامية" سيكون مصيرهم جميعا هو الأفول التدريجي بعد النكبة/النكسة الكبرى. لذلك، فلا غرابة أن يكون النزوع/الميول العام الراهن والمستقبلي للمستشارين في التوجيه التربوي هو الفشل والتذمر والاحباط...
اعتراف لابد منه:
...أنا أول المحبطين والمفقودين-التائهين-المغتربين مهنيا...
فهل سيبكي ضمير من مارسوا وضمير الذين ما زالوا يمارسون التوجيه التربوي الفعلي-التطبيقي-الميداني، بعد قراءة هذه الصرخة المؤلمة، وبعد اشتداد مشاهد ومراسيم تشييعه إلى المثوى الأخير (التقنية والانحصار(ية)/التصدف(ية)، بدل الابداع(ية) والدينامية/الحركية المسايرة لعصر كله تغيرات في مجال الاقتصاد وسوق الشغل والمهن والقيم والتغيرات الاجتماعية والديموغرافية والمعرفية-العليمة والبحثية-الاستكشافية والفكرية-الإيديولوجية والجيوبوليتيكية والتاريخية والثقافية واللغوية والحضارية...؟​

"(...) أنا كالنهر اليابس لن أعود لتدفقي،
سأحتضن الأفاعي وأقدمها لكل آت،
وأخفي معالمي بين الحصى والرمال...

سأوشح صدري بوشاح الفتور،
وأختفي ما تبقى من عمري،
فقد نلت اليوم شهادة سباتي...
أنا كالرماد النحيف تضائل لوني،
عبثا تحاول إن أردت جمعي،
ففي النهار بعثرة والليل مواكبي،

(...)
لأني صرت أكبر الانكسارات؛
صرت شيخا مثخنا بالطنز..."(1)


-(1): مقتطف من نص "لا خسارة لخاسر"، حمزة الشافعي.
حمزة الشافعي
تنغير-المغرب
 
عودة
أعلى