Concours Commun UM6SS 2025-2026
ismagi

تعدد الاختيارات داخل الشعبة الواحدة : بين تعقيد التوجيه وتحديات التدبير التربوي محمد بكنزيز

ab youssef

مشرف منتدى tawjihnet.net
طاقم الإدارة
تعدد الاختيارات داخل الشعبة الواحدة : بين تعقيد التوجيه وتحديات التدبير التربوي
La multiplicité des filières au sein d’une même branche
entre complexité de l’orientation et défis de la gestion éducative
محمد بكنزيز - مفتش في التوجيه التربوي
=====
تعدد الاختيارات داخل الشعبة الواحدة بين تعقيد التوجيه وتحديات التدبير التربوي.jpg
مقدمة
يشكل التوجيه المدرسي والمهني محطة أساسية في بناء المسار الدراسي للمتعلمين، إذ يترتب عليه تحديد المسارات المستقبلية الأكاديمية والمهنية. غير أن الممارسة الميدانية أبانت عن مجموعة من الإشكالات المرتبطة بهندسة المسالك الدراسية، لاسيما تعدد الاختيارات داخل الشعبة الواحدة، رغم كون الفوارق بينها غالبًا شكلية ومحدودة في مادة واحدة أو في معامل بسيط أو في حصص زمنية لا تتجاوز ساعتين أسبوعيًا.

هذا الوضع يؤدي إلى ارتباك المتعلمين في اتخاذ قرارات التوجيه وإعادة التوجيه المناسبة، ويضاعف من الأعباء الإدارية والتربوية الملقاة على عاتق إدارات المؤسسات التعليمية، خاصة خلال فترات إعادة التوجيه وبناء البنيات التربوية. ومن ثم، أصبح من الضروري تناول هذا الموضوع من زاوية تحليلية واستشرافية، تستند إلى رؤية إصلاحية تروم عقلنة العرض المدرسي وتبسيط هندسة المسالك الدراسية بما يخدم مبدأ الوضوح والنجاعة.

1. تعدد المسالك: بين التنويع المقصود والغموض البيداغوجي
انطلق تصور تعدد المسالك الدراسية داخل الشعبة الواحدة من نية تربوية نبيلة هدفها تنويع العرض التعليمي وتوسيع آفاق التعلم أمام المتعلمين، وتمكينهم من فرص متعددة للاختيار بما يتلاءم مع ميولاتهم وقدراتهم.

لكن التطبيق العملي أبان عن تشابه كبير بين المسالك في المضامين والمقررات الدراسية، إلى درجة تجعل الفروق بينها محدودة وغير مؤثرة في بناء الكفايات أو تطوير القدرات المعرفية والمنهجية.

ويترتب عن هذا الوضع غموض لدى المتعلمين في فهم الفروق الحقيقية بين المسالك، مما يجعل اختياراتهم في التوجيه وإعادة التوجيه غالبًا غير مؤسسة على معايير علمية دقيقة.

إن هذا الوضع يؤثر على الاختيار الصائب في التوجيه المبني على القدرات المعرفية والكفاءات الشخصية والرغبات والآفاق المستقبلية، وقد يؤدي إلى أن تتحول تعدد الاختيارات إلى مصدر قلق لدى المتعلمين وأوليائهم لما تطرحه من حيرة وصعوبة في اتخاذ القرار المناسب.

وبذلك يصبح لزامًا مراجعة فلسفة تعدد المسالك حتى تترجم فعلاً مبدأ التنويع الإيجابي بدل أن تتحول إلى مؤثر في القرارات التوجيهية.

2. انعكاسات التعدد على الممارسات الإدارية والتربوية
لا يقتصر أثر تعدد المسالك على المتعلمين فحسب، بل يمتد إلى إدارات المؤسسات التعليمية التي تتحمل عبئًا مضاعفًا في تدبير هذا التعدد.

فهي تواجه صعوبات متكررة في عمليات التوجيه وإعادة التوجيه وإعادة توزيع المتعلمين بين المسالك، مما يؤدي إلى اختلال التوازن العددي بين الأقسام، وصعوبات في تعبئة الموارد البشرية، وإشكالات في برمجة الحصص، خصوصًا في المؤسسات التي تعاني من محدودية الحجرات الدراسية.

وتزداد الإكراهات خلال فترات إعادة التوجيه، حيث تُطلب تعديلات متكررة على بنية الأقسام والبرمجة الزمنية، ما يستهلك وقتًا وجهدًا إداريين كبيرين كان الأجدر توجيههما لتحسين جودة التعلمات ودعم المتعلمين في مساراتهم الدراسية.

3. نحو مراجعة عقلانية لهندسة المسالك والشعب
أمام هذه الإكراهات، تبرز الحاجة إلى مراجعة شمولية وعقلانية لهندسة المسالك الدراسية، تقوم على مبدأي الفعالية والوضوح.

فالتقليص المدروس لعدد الجذوع والمسالك داخل كل شعبة لا يعني الحد من حرية الاختيار، بل يهدف إلى تجويد العرض التربوي وتيسير عملية التوجيه وإعادة التوجيه.

إن الوضوح في بنية المسارات الدراسية يتيح للمتعلمين فهمًا أدق لمساراتهم المستقبلية، ويمكن أطر التوجيه التربوي والإداريين من أداء مهامهم في ظروف أكثر انسجامًا وتنظيمًا.

كما يتيح هذا التقليص تخطيطًا أفضل للموارد البشرية والوسائل المادية، ويحد من الهدر الزمني والإداري المصاحب لعمليات إعادة التوجيه المتكررة.

ومن شأن هذه المراجعة أن تُعيد التوازن بين المرونة التربوية والنجاعة التنظيمية، فتجعل التوجيه التربوي أكثر واقعية وارتباطًا بمقتضيات سوق الشغل والاختيارات الجامعية المستقبلية.

4. المزايا التربوية والتنظيمية لتجميع المسالك
إن دمج المسالك المتقاربة وتوحيدها داخل كل شعبة يحمل في طياته فوائد متعددة على المستويين البيداغوجي والإداري.

فعلى المستوى التربوي، يؤدي هذا التوحيد إلى وضوح أكبر في بنية الشعب والمقررات، ويسهم في ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين، خاصة أن معظم المسالك داخل الشعبة الواحدة تتجه نحو نفس المباريات والمدارس العليا والكليات ذات الاستقطاب المحدود.

أما على المستوى الإداري، فإن تجميع المسالك يسهم في ترشيد البنيات التربوية وتفادي الاكتظاظ في بعض الشعب، وتحقيق التوازن العددي بين الأقسام، كما يتيح توحيد امتحانات البكالوريا حسب كل شعبة، مما يوفر وقتًا وجهدًا كبيرين في عمليات الطبع والاجتياز والتصحيح والإعلان عن النتائج.

ويُمكِّن هذا التوجه من تبسيط التنظيم الإداري والبيداغوجي، وتوزيع الموارد البشرية بشكل أكثر عقلانية، ويحد من التكرار غير المبرر في المحتويات والمقررات

خاتمة
إن تعدد الاختيارات داخل الشعبة الواحدة، حين لا يستند إلى منطق بيداغوجي واضح ومبررات موضوعية، يتحول من أداة للتنويع إلى عامل إرباك وضعف في النجاعة التربوية.

ومن ثَمَّ، فإن العقلنة في هيكلة المسالك التعليمية تمثل مدخلاً أساسياً لتيسير عملية التوجيه وإعادة التوجيه، وتخفيف الضغط على الإدارات التربوية، وتحقيق الانسجام بين أهداف المنظومة التربوية وواقع الممارسة الميدانية.

فالتبسيط المنهجي ليس انتقاصًا من الجودة، بل هو تفعيل للفعالية التنظيمية والاختيار البيداغوجي الرشيد، وضمان لتوجيه تربوي ناجع يخدم المتعلم والمؤسسة والمجتمع على حد سواء.

توصيات عملية
1. إعادة هيكلة هندسة المسالك الدراسية على أساس معايير واضحة ومتميزة من حيث المضامين والآفاق الجامعية والمهنية، لتفادي التداخل والتكرار.

2. توحيد المسارات داخل كل شعبة إلى الحد الأدنى الممكن، مع الحفاظ على تنوع حقيقي وذي قيمة تربوية.

3. إشراك أطر التوجيه التربوي في عملية مراجعة الشعب والمسالك، لضمان ملاءمتها مع حاجيات المتعلمين وسوق الشغل.

4. تحيين دلائل التوجيه لتوضيح الفروق الفعلية بين المسالك وتيسير عملية الاختيار لدى المتعلمين وأوليائهم.

5. توفير تكوينات لفائدة الأطر الإدارية في مجال التدبير البيداغوجي والبنيات التربوية، قصد التكيف مع أي تعديل في هندسة الشعب.

6. اعتماد مقاربة تدريجية في التقليص من المسالك تراعي الخصوصيات المحلية والإمكانات المتاحة في كل مؤسسة تعليمية.

7. توحيد امتحانات البكالوريا حسب كل شعبة، لما لذلك من أثر إيجابي في ترشيد الجهود الإدارية واللوجستيكية المرتبطة بعمليات الطبع والاجتياز والتصحيح وإعلان النتائج.

8. ترشيد البنيات التربوية بالمؤسسات التعليمية عبر دمج المسالك المتقاربة التي لا تختلف إلا في متغير واحد، مما يسهم في تقليص الاكتظاظ وتحقيق التوازن العددي بين الشعب.

9. الاستفادة من تجميع المسالك في الرفع من جودة التقويم وضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين، بحكم توجه أغلب هذه المسالك نحو نفس المسارات الجامعية والمهنية.

10. تعزيز التنسيق المؤسساتي بين مصالح التوجيه التربوي والوحدة المركزية للتوجيه، قصد إرساء هندسة بيداغوجية متكاملة وفعالة.​
محمد بكنزيز - مفتش في التوجيه التربوي​
 
عودة
أعلى