ismagi
formations

اتجاه المراهقة نحو المعارف المدرسية

الاستاذ

مشرف منتدى tawjihnet.net
طاقم الإدارة
اتجاه المراهقة نحو المعارف المدرسية​
تعيش المؤسسة المدرسية اليوم مضايقة كبيرة بفعل الثورة الإعلامية التي ادت إلى ظهور العديد من وسائل المعرفة وقنواته المختلفة.
فالحاسوب والتلفاز وشرائط "الكاسيط"، والفيديو وغيرها أغرت وتغري أطفال اليوم وتشغل جل أوقاتهم، وقد احتل جهاز التلفاز بوجه خاص مكانة خاصة في نفوس الناشئة، بفعل ما ينقله من معلومات حية ومتنوعة عبر ساعات يومية طويلة. ولا يجادل أحد في سحر وإغراء العديد من الصور والبرامج الموجهة للصغار والكبار على السواء.
وإذا أردنا استعارة تعبير أحد السوسيولوجيين، لقلنا إن وسائل الإعلام وخاصة التلفاز عمل على تغيير نظرتنا إلى العالم وحولته إلى قرية صغيرة، ذلك أن ما يتم في أقصى مكان على كوكب الأرض تنقله إلينا هذه الشاشة الصغيرة التي يكاد لا يخلو منها أي بيت.
إننا في نظر بعض الباحثين ندخل عصرا جديدا، هو حضارة الصورة La civilisation de l’image، فالصورة ماثلة اليوم في جميع الأماكن، في السينما وفي الصحف اليومية والمجلات وعلى الجدران والألواح الإشهارية ... إلخ، ولإبراز المكانة التي تحتلها الصورة في عالم اليوم، يكفي مقارنة ما تشغله من حيز في كتب وصحف ومجلات اليوم، مع مثيلاتها منذ نصف قرن. بل إن نظرة مقارنة للكتاب المدرسي اليوم مع نظيره منذ مطلع هذا القرن يوضح لنا ان الصور تكاد تقصي على النصوص وتبلغ مكانها، وليس المهم المكانة التي تشغلها الصور في حد ذاتها أو النصوص المكتوبة، وإنما الوظيفة التي تمارسها كل منهما على المتعلم. إن الصورة تتميز بكليتها وشموليتها خلال إدراك المتعلم لها وهي تتوجه إلى مخاطبة خياله، سواء على مستوى النظر أو على مستوى السمع، وهي تؤثر على انتباهه بشكل مباشر وتسحر نظره ولا تطالبه ببذل أي جهد. إن الصور تغرق الفكر في اللحظة الراهنة، وكانما خارجها لا يوجد أي شيء آخر وتصبح تبع لذلك، علاقة المشاهد بالواقع علاقة حسية مباشرة، وكانها شبيهة بمعارف الإنسان قبل اختراع الحروف والكتابة، فهي عودة إلى عالم المعارف البدائية التي لا تتطلب أي تفكير أو تدخل للعقل حتى يقوم بإدراكها ( ).

إن هذه الثورة في نمط معارفنا هي ما حدا بعالم الإجتماع "ماك لوهان" Mac Luhan، إلى التأكيد بأن المراهق الذي خضع منذ طفولته إلى تأثير وسائل الإعلام، هو قطعا شخص مختلف عن سابقيه، ففضلا عن الإنسان الكوني الذي تكونه هذه الوسائل فإنها تزود، بمختلف الصفات وأخلاق الإنسان العالمي. ويذهب نفس الباحث المشار غليه، إلى انه بفضل وسائل الإعلام يمكن للتلاميذ أن يعيشوا في وسط حفل معرفي أكثر غنى من كل ما يمكن أن يقدمه لهم التعليم التقليدي، الذي لم يعد يتلاءم مع متطلبات العصر، وأصبح غير ذي جدوى في الحياة الواقعية.
"وإنها لمسألة غاية في الإستعجال التي تنتظر المسؤولين على قطاع التربية، للوعي بالحرب المعلنة حاليا بين عالم المحسوس الذي خلقته وسائل التواصل الجمعي والعالم المدرسي المجرد الذي ما يزال يسيطر عليه ما هو مطبوع. إن قاعة الدرس غدت مسرحا للصراع من أجل البقاء، وذلك في الوقت الذي تتعرض فيه لهجوم من العالم الخارجي ومن الإغراء الذي أوجدته وسائل الإعلام الجديدة" ( ).
بالفعل إن طبيعة النص المكتوب والجهد الفكري الذي يتطلبه لفك رموزه يختلف عن ما تجود به الصورة من جمال ولون وأفكار تدرك في لمح البصر، إلى طابع السيولة والتغير الذي يميز هذا النوع من المعرفة. وهذا الإختلاف بين طبيعة القناتين المعرفيتين: المدرسة ووسائل الغعلام (وخاصة التلفزة)، خلقنوعا من النفور لدى تلاميذ اليوم من كل ما هو مبرمج ومقرر في الكتب المدرسية، فهم يفضلون مشاهدة الصور’ على بذل أي جهد فكري تأملي في المقررات والبرامج الدراسية، بشكلها التقليدي الذي لا يوظف تكنولوجيا التربية ووسائلها الديداكتيكية. وأفضل مثال يوضح سيطرة الصورة وأداتها عدة وسائل، منها الشرائط (الكاسيط)، أن نوادي "الفيديو" أصبحت جد منتشرة، وأصبح الناس ينخرطون فيها ويأتون كل يوم تقريبا بشرائط لتغيييرها، عوض استعارة الكتب، كما كان عليه الحال قبل شيوع التلفاز والفيديو، كما أنه من الظواهر المألوفة اليوم ان التلاميذ يتبادلون فيما بينهم شرائط الكاسيط عوض تبادل الكتب والقصص كما كانت تفعل الأجيال السابقة.
إن القيمة العلمية والفكرية للصورة تختلف عن القيمة العلمية المعرفية المقروءة، أو المكتوبة بشكل عان فإذا كانت الصورة تلعب دور الإعلام والأخــبار فإن المـكتوب يقوم بدور المكون، وشتان ما بين الإخبار والتكوين (Informer et former) فالجملة المكتوبة تتطلب استخدام الجهد الفكري بكل قواه وقدراته من تحليل وفهم ونقد ... إلخ، في حين أن الصورة لا تمدنا إلا بما هو جاهز ومكتمل وسطحي. كما أن المعارف التي تزودنا بها رغم اعتقادنا بانها كثيرة معارف تظل مصطنعة ولا تتغلغل إلى أعماق الواقع لاكتشاف عناصره ومحدداته.
إن الحرب إذن بين وسائل الإعلام المتنوعة والوسائل المعرفية المعتمدة على المكتوب والمقروء تعني في نهاية الأمر حرب بين وسائل أداتها في الإغراء المحسوس بشكله وحركته وصوته، وبين وسائل اداتها التفكير الشكلي والدقة في التصور والتأمل العقلي.
إن الخطورة في هذه المسألة بالنسبة للتلميذ تكمن- كما يلاحظ ذلك"وايلن Ouillon" و"ورجليا Origlia"- أن لغة الوسائل السمعية البصرية، هي أنسب اللغات لسيكولوجيا المراهق، وذلك بالنظر إلى سيطرة الجانب العاطفي والوجداني على سلوكه وتصرفاته، فالجانب الوجداني لشخصية المراهق تجعله في هذه المرحلة منفتحا على الرموز وعلى كل ما يثير الخيال، وهو فضلا عن ذلك، منغمس بكليته في الحاضر الآني، ويجد بواسطة الصورة على اتصال تام بالعالم. وهذه اللغة المحسوسة تسمح له بتعبير أفضل بلغة الشفرات الرمزية التي تكونها الحروف التي لا تتلاءم مع حساسيته الظرفية قبل أن ويتقدم في مرحلة المراهقة ويكتسب أسلوب التفكير الشكلي او الإفتراضي، الإستنباطي، يسميه "بياجيه".
بيد أن اعتماد التلميذ على هذه اللغة التواصلية الحسية قد تعرقل لديه نمو القدرة العقلية التي ينبغي أن تصل إلى اكتمال نضج أجهزتها وأدواتها خلال هذه الفترة من العمر. إن التطرق في الإعتماد على لغة الملموس والمحسوس قد يقتل لديه الرغبة في التعلم الدائم إلى الإعتماد في اكتساب الخبرات على كل ما جاهز. وهذا بالضبط ما يهدد المدرسي، وهو جوهر المشكل الذي نعرضه، ذلك أن اللغة العقلية التي تعتبر اداة التواصل المدرسي لم تعد أمام زخم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة- تثير لديه أي رغبة في علوم الماضي والإطلاع على الإرث الحضاري للإنسانية، وهي لإحدى المهام الرئيسية التي بها المدرسة.

هذا فضلا عن أن المعارف المدرسية، بشكلها المنفر، ما تزال هي التي تمنح الشهادة والألقاب العلمية، لذلك فالتلاميذ اليوم يوجدون في موقف لا يحسدون عليه. فهم على وعي بأهمية اكتساب هذه الألقاب العلمية والحصول على هذه الشهادات التي تمنحها المدارس والمعاهد، من اجل ضمان مستقبلهم. غير أنهم في الوقت ذاته لا يطيقون بذل الجهد الذي يتطلبه التعلم المدرسي، الذي لا يمنح هذه الأقلاب وهذه الشهادات دون والأستسلام لنظامه الصارم وإيقاعه الرتيب والممل. والذي عمل على شحن الذهن بمعارف الماضي، هذا في الوقت الذي يشهد فيه العالم تطورا صناعيا وتقدما تكنولوجيا هائلا بموجبها مختلف الكواكب وأرسل إليها الأقمار ونتيجة ذلك إن التلميذ */* يستقبل اكتساب وتعلم قوانين الفيزياء فكرة، فكرة، ومشتتة، دونما رابطة حية تجمع بينهما، يثقل على ذهنه ولا يطيق فكره الذي يتوق إلى العيش في الحاضر والتطلع إلى المستقبل، وكفى. لذلك فإنه يفضل قراءة الحضارة الإنسانية بدء من نهايتها، والإقتصار إن امكن على الإهتمام بما يتعلق بحاضرها، وهذا على عكس ما يفرضه التعليم المدرسي الذي يحرص على نقل وترجمة الحضارة الإنسانية منذ بدايتها الأولى ( ).
وهكذا ظهر لدى تلاميذة اليوم نفور واضح وشديد من المدرسة ومن كل رموزها. وظهرت مفاهيم عديدة تعبر عن هذا الطلاق الذي تم عن سوء فهم المطالب الطرفين، مطالب المراهق وحاجاته من التعليم والتربية المدرسية بنظامها وقوانينها وأسلوبها التقليدي في التعلم. فهناك من عبر عن سوء الفهم هذا بعبارة "سوء التوافق الدراسي"، وهناك من أطلق عليه عبارة "الفشل الدراسي"، وهناك من أطلق عليه "الإنقطاع الدراسي"، وهناك من عبر عنه "بالتسرب المدرسي"، وهناك وهناك... إلخ. المهم انها عبارات مهما اختلفت معانيها ونوع المداخيل التي سلكتها لدراسة الظاهرة وتشخيصها، فهي كلها تعبر عن ظاهرة معيشة تجتازها المدرسة المغربية كغيرها من العديد من المدارس في العالم.
إن على المدارس اليوم إذن، أن تعيد النظر في برامجها ومقرراتها وطرائقها البيداغوجية ووسائلها الديداكتيكية، حتى تتوفق في إثارة اهتمام المتعلمين وتعيد إليهم الثقة بأهميتها كمؤسسة اجتماعية، تهدف إلى الإدماج الإجتماعي.
وبغير إعادة النظر هذه وتجديد أثاث هذا البيت العتيق وإعادة ترتيب محتوياته وترشيد أسلوب معاملة العاملين فيه، فإن هذا البيت يهدد بفناء نفسه بنفسه، ففي بحث عن تمثل La représentation التلاميذ للمؤسسة ودروها في حياتهم، بينت نتائج الدراسة الميدانية التي قام بها مصطفى حدية ( )، عن خيبة امل التلاميذ في الدور الذي تلعبه المدرسة في عالم اليوم، ذلك ان 65,29% من افراد العينة المبحوثة صرحت بأن التمدرس قد تقهقر ولم يعد له أي قيمة كانت له في الماضي، كما صرح 14,53% من أفراد العينة أن التمدرس لم تعد له فائدة ولا يحقق أي هدف، في حين أن نسبة 14,92% لم تعد تر في المدرسة سوى وسيلة للحصول على الثقافة.
كما بين ما نسبته 11,56% أن المدرسة وتعليمها لا يحقق العمل للخريجين. كما أكدت نسبة 20,89% على وجود صراع قائم بين المدرسين والتلاميذ، في حين أشارت فقط نسبة 41,41% من التلاميذ إلى اهمية المدرسة وقيمتها في المجتمع، وبعلل هؤلاء سبب اهمنية المدرسة في نظرهم بعدم جدوى المعارف التي تقدمها وعدم ارتباطها المباشر الحياة المجتمعية الواقعية، أو على حد تعبير احدهم "لا تقوى سوى دروسا لاجتياز الإمتحان".
إن هذا الإتجاه السلبي الذي نجده لدى عينة هذا البحث نحو المدرسة ونحو برامجها ومقرراتها الدراسية يتفق مع النتائج التي وصلنا إليها في بحث سابق حول المراهقين المتمدرسين نحو بعض الموضوعات، ومن جملتها اتجاههم نحو المدرسة فالتلاميذ على وعي كبير بواقعهم وحاجاتهم وهم ليسوا غير مبالين او متخاذلين وإنما قيمة المعرفة العلمية وحاجاتهم إليها، لتطوير مجتمعهم وتحقيق الشروط الضرورية ووجودهم، في عالم اقتصادي مستهلك لا يرحم.
لذلك فرفض التلاميذ للمدرسسة ولبرامجها ومقرراتها ليس رفضا لذاته، وعنما * لتعليم يفني فيه هؤلاء الشباب زهرة شبابهم، ومع ذلك لا يتيح لهم في نهاية المطاف الإندماج في الحياة المجتمعية والإقتصادية لبلادهم. إن التعليم النظري التجريدي الذي مدارسنا على مدى عدة سنوات أثبت فشله في تحقيق غايات الفرد وغايات المجتمع فنحن "بحاجة إلى مدارس ذات تعليم يجمع بين النظر والتطبيق، مدارس يحيا فيها ويعمل ليحس بوجوده في العمل وبقيمته في الإنتاج ... عن تعليمنا لم يعد مناسبا لهذا العصر واوضاعه الجديدة، لهذا نجد أن الشباب والمراهقين غير راضين عنه، لأنهم تعليما كهذا تعليم عقيم". [color=#المصدر [/color] [color=#[font=&quot]المركز التربوي الجهوي- مراكش[/color]
 
عودة
أعلى